خواطر طبيب
بقلم✍? دكتور علي بلدو
عكير الدامر: العزف في وديان الصمت
اصبحت سماء الابداع في بلادنا و كانها كون كبير في ليلة ازدحمت بالنجوم و الاجرام و حينا بعد حين ياتنيا شهاب مضئ يلفنا بالضياء و الالق و الدفء و ما يلبث ان يمضي محترقا بعيدا بعيدا , بعد ان يقطع سموات الابداع في لمح البصر .
و يتحفظ الذاكرة الشعبية البعض و تنسى الكثيرين و الكثيرات و لكن البعض لا ينسى و ان حاولنا النسيان لرسوخ ما قدم و منهم الشاعر الفحل الراحل عكير الدامر و الذي لا يزال يثري المنتديات و البرامج برغم رحيله المر و لكنه يعلمنا بان المبدعين حقا لا يموتون.
رقم وطني
اسمه علي ابراهيم عكير,من مواليد دامر المجذوب مربع واحد حلة العشير عام 1906,درس بالدامر الابتدائية ثثم كلية غردون التذكارية و التي اصبحت فيما بعد جامعة الخرطوم, تدرج في العمل الحكومي متنقلا بين المهام و الوظائف و كان اخر وظيفة له بباشكاتب القيادة الشمالية بشندي
و عكير تعني الخير و يبدو اثر شرق السودان واضحا بسبب علاقة المصاهرة.و كما يثير التساؤلات عن علاقات البجا بنهر النيل و جدلية الاصول و الاعراق السودانية التي لا يزال محتدماً الي الان.
البدايات
بدا شاعرنا نظم الشعر في سن مبكرة كما ههي عادة الكثيرين في نهر النيل و تاثر في ذلك بالطبيعة و التراث الشعبي و كما هضم تماما شعر من سبقوه و من عاصروه و تفتقت عبقريته الشعرية عندما كان يقوم بعمل المطارحات الشعرية و نقل الاحداث شعرا و تصوير الحيياة الاجتماعية شعرا بصورة جلية وواضحة و ابراز شعر المناسبات’ و منه قوله في وداع صديقه و الذي اصيب بمرض عضال و ساففر للخارج للعلاج الا انه توفي بعد ذلك’ فقال عكير :
المرض ان كتر لا ببكي لا بنزره
و العمر ان كمل لا بينفع علاج لا ذره
عاد اركزن وكتين بكاههو ان حرا
و كما وثق لحادثه نقله للعمل بمدينة السوكي:
ابوك يا سليمة اتوجه مكافي السوكي
طريتك و الطفيلات البجو يوانسوكي
كلو عندو راي
كان عكير بسيطا في ملبسه االشعبي بالجلباب و التوب و المركوب و يحب الجلوس على الارض و شرب االشاي و القهوة مع الناس و حب الصيد بالكلاب و صيد التماسيح و الارانب و الغزلان.
و كما كانت له علاقات واسعة مع كافة اطياف المجتمع من ادباء و موظفين و قضاة, لدرجة اختياره قاضيا بمحكمة الدامر الشعبية.
الاثر الصوفي
كعادة اهل السودان يبدو اثر التصوف و الزهد واضحا في منتوجه الابداعي :
درقة الرغوة كم دمرت ناس و مساكن
كم زليت بعد العزة شامخ و ماكن
كم صبحتي قلبا حي متلج و راكن
و كم صبحتي عمران ذي مباني سواكن
و لا يتوقف ىذمه للدنيا عند هذا الحد بل يتعداه:
خيرك ما بيدوم يا البهرجا الغشاشه
يا مطر المنية الديمة سابقة رشاشه
كم قصرا جميل انواره تضوي بشاشه
دمرتيه اصبح فاقد المقشاشه
رحلته للقضارف
القت عصا الترحال بشاعرنا حينا في القضارف و عند ركوبه القطار جلست امامه احدى الحسان فاورت كبده قائلا:
قطر الجن بلا صيدة الخلا المذعوره
رامح كالرؤوم فاج المخيفه وعوره
في العطشان وقف جات ريله ناديه شعورها
انفاس الخيال اتملكتني شعوره
وقف المشترك حضرت ولاد دامرنا
من بعد السلام الطال بدينا سمرنا
فرحوا و هزوا قالوا الليلة نحن عمرنا
تعب الفي القضارف بي زعل خامرنا
الحكم الدامرية
اشتهر عن عكير قول الحكم و الامثال و انتقاد الاوضاع و اصلاح المجتمع يتجلى ذلك في:
الجار قاطع الجار و الحيط علوها
و ان قلت النصيحة الفي االكتاب قلتوها
الاخوان على بعض السيوف سلوها
و اموال اليتيم اهل السبح اكلوها
و كأنه يتنبأ بتجار الدين من اهل الذقون و الضلال و السبح’ و هم ليسوا بمؤمنين بل مُشركين’ لابسين دُقون و شايلين سبح.
كلنا في الهم شرق
انحاز عكير لحركة التحرر الوطني و ايد الحق الفلسطيني منددا باليهود و امريكا و بريطانيا و داعيا للجهاد لاستعادة ارض المقدس:
شعلوها اليهود سالت سبب تحريكه
اصلها نابعة من بير الفساد امريكا
بريطانيا الدنيه نازله شريكه
فرحت للحرب عجب الزمان بوريكا
زواج جماعي
اهتم عكير بموضوع تزويج الشباب و استقرار الاسر و لذا ايد بشدة مجهودات الامام عبدالرحمن المهدي في تسهيل اجراءات الزواج و ساعد في لم شمل الكثيرين و الكثيرات , فيما يعرف بزواج الكوره:
يا ابن المنتظر عملا جليل دونت
احييت السنن قاسي المهر هونت
لي قاطع العشم بيت الحلال كونت
لثلثين دينه حفظتهن عاونت
و المُلاحظ هنا ايضا ’أن عُكير الدامر يقطع بأن الامام المهدي رحمه الله’ هو المهدي المنتظر لتقطع جُهيزتْهُ قول كل خطيب في هذا الموضوع و الذي شكل ايضاٌ تربة خصبة للنقاش و الجدال .
و اليها تعودون
اغفى شاعرنا الفذ عكير اغفاءته الاخيرة بالمدينة التي احب الدامر بمسقط راسه و مرتع صباه ليلاقي ربه في عام 1990 اثر علة لم تمهله طويلا, لتشيعه المدينة في موكب مهيب لايزال حديث الناس و يبكيه الصغار و الكبار و الشيب و الشباب في تلاحم عفوي يعبر عن عمق تاثير ما قاله الراحل و الذي سيظل عالقا بالذاكرة الشعبية الي الابد.